وجهات نظر

البطريرك يلقي كلمة الملك

البطريرك يلقي كلمة الملك


الأردن بلد المسيحية الأول، اليه لجأت حين كانت مضطهدة ومطاردة وعلى أرضه وجدت الحماية وتأدية الرسالة واتساعاً لها، وقد مرّ من الأردن طريق الحج المسيحي، الذي بدأ من كنيسة القيامة التي بنتها الامبرطورة هيلانة في زمن ابنها الملك قسطنطين، ومن القيامة الى المهد حيث ولد المسيح، وحيث تتكرر الاعتداءات الاسرائيلية الآن امتداداً للعدوان المتأصل في اليهودية الصهيونية. من كراهية وحقد وتميز.

على هذه الأرض استكملت المسيحية عباداتها وخاصة الصوم الذي امر به في طبقة فحل في شمال غور الأردن، وفي المحطات الأخرى على طريق الحج كان المغطس مكان عماد المسيح الذي أعاد الأردن في هذا الزمن المعاصر انتاجه وأفرح العالم به.

ومن مكان العماد وامتد الطريق الى منطقة مكاور حيث قتل يحيى المعمدان في مكيدة وغدر و على هذا الطريق وخارجاً منه كان الطريق الى كنيسة رحاب كنيسة القديس جورجيوس في محافظة المفرق والتي هي من اقدم الكنائس وفوقها كهف اختبأ به المسيحيون الاوائل من الاضطهاد عام 230 ميلادي والى كنيسة عجلون سيدة الجبل في عنجرةً وهي معتمدة من الفاتيكان كاحدى محطات الحج المسيحي وام الجمال، حيث كنيسة يوليانوس بنيت في 557 ميلادية وكنائس متفرعة، ثم كان الطريق طريق للحج المسيحي قد بلغ طوله 62 كم، قد وصل من مكاور الى أم الرصاص وانتهى في برج الزعفران واهمها في ان الرصاص كنيسة القديس اسطيفان وأقيمت في القرن الثامن ميلادي حيث بنيت 14كنيسة في مربع واحد واستحق المكان أن يسمى بفاتيكان الشرق تميزاً له عن فاتيكان الغرب في روما.

كنت اقترحت كما غيري أن يحيي هذا الطريق بالخدمة والمرافق وأماكن السكن والنزول والاستراحات والكنائس، وأن يصبح سالكاً للمسيحيين من كل انحاء العالم وقد حجوا وعرفوا الطريق الذي سلكه المسيح، ومنه خرج الى شمال الأردن الى كهف في بيت ايدس بالكورة كهف المعصرة في الشمال يقال أن المسيح اختبأ فيه عن العيون ومن المطاردة والاضطهاد.

أحب الأردن المسيحية وأحبته وجاء في وصية الرسول لجيش أسامة أن يحافظ على اماكن العبادة للأديان الأخرى وخاصة المسيحية في كنائسها وأديرتها وفيها أوصى الرسول بعدم الغدر والخيانة وعدم قتل النساء والشيوخ والأطفال وبالرفق بالرهبان في صوامعهم وعدم التعرض لهم وعلى أرضه في ايله العقبة كانت العهدة المحمدية لأهل ايليا بين الرسول (ص) وامير أيلة حنة بن رؤبة العربي الغساني الذي التقاه الرسول في تبوك اثناء غزوته وكتبوا بينهم عهداً (آمنة) ظلت سارية حتى عام 93 للهجرة زمن الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز، وهذه الوثيقة حمت المسيحيين العرب الغساسنة في جنوب الأردن وكفلت حقوقهم وكشفت عن تسامح واخاء.

مازال الأردن يرى في المسيحية ديانة سماوية موازية للاسلام ويعتز ويعترف بها كشرط لإيمان المسلم وباتباعها العرب والأردنيين، فقد جاء في بيان للثورة العربية الكبرى التي أطلقها الشريف حسين في جريدة "القبلة" ما يدعو الى الاخاء والمحبة، ومعاملة المسيحيين الاردنيين واعتبارهم أرومة في العروبة وقد خاطبهم بذلك، فهم ملح هذه الأرض، دافعوا عن الثقافة الاسلامية باعتبارها ثقافتهم وهبّوا للدفاع عنها حين أراد الغرب الصهيوني وحلفاؤه شيطنة الاسلام والصاق تهمة الإرهاب به بعد الحادي عشر من أيلول 2001، يومها كان الملك الراحل الحسين، والأمير الحسن بن طلال، أطال الله في عمره، قد كلفوا وفوداً أردنية معظمها من المسيحيين ليجوبوا اوروبا والعالم في دعوات مخلصة للدفاع عن الاسلام وثقافته المشتركة معهم، وأذكر أن أبا عمر ميشيل الحمارنة كان يقود إحدى هذه المجموعات، فقد استبسل هؤلاء بواجبهم في الدفاع عن أمتهم الواحدة، وكانوا يومها قد تمثلوا رسالة عمان الشهيرة.

اليوم لفت الانتباه الرسالة القوية التي أطلقها الملك عبد الله الثاني، قبل يومين حين كلف غبطة البطريرك ثيوفيلوس الثالث بطريرك القدس وسائر أعمال فلسطين والأردن، بالقاء كلمة الملك نيابة عنه، وذلك خلال الزيارة التضامنية الى منطقة الطيبة شرق مدينة رام الله، حيث دوت كلمة الملك واصابت الأسماع وهي تدين أعمال الاجرام والقتل والتحريض الصهيوني، التي يرتكبها الجيش الاسرائيلي ضد المدنيين الفلسطينيين العزل، وقد استنكرت هذه الكلمة الوثيقة التي تستحق ان تترجم ويروج لها عبر العالم، ففي الوقت الذي تدعوا الأديان السماوية إلى التآخي والحوار والكلمة السواء، تمارس عصابات الاجرام الصهيونية اعتداءتها الهمجية على كنيسة الخضر القديس جاورجيوس والمقبرة المسيحية التاريخية في بلدة الطيبة، واسمها قديما إفرام. وقد اختبأ بها المسيح من اليهود الذي اذوه قبل أن يعود إلى القدس ليصلب فيها وحيث أقدم المجرمون الصهاينة محميين من الشرطة الاسرائيلية باضرام النار في اشجار المقبرة.

الملك طالب بلغة واضحة لا اعوجاج فيها، بحماية المقدسات المسيحية ووقف العدوان الممنهج عن عشرات القرى والمدن والمخيمات.

وطالب ايضاً بموقف دولي ملازم وقوي وواضح للجم العدوان واستنكاره وأدانته عملياً وبكل الوسائل حتى لا ترتع.... أدوات القتل واصحاب النفوس المريضة وتستمر في استباحة الدم الفلسطيني البريء.

إن الرسالة الملكية واضحة سواء في نصها أو في التكليف للبطريرك ثيفلوس الثالث بالقائها باسم الملك، تضامناً مع الشعب الفلسطيني ومقدساته الاسلامية المسيحية، وهي تحمل معاني سياسية يجب التأكيد عليها والتفكير بها ولفت العالم اليها.

فالأردن مع الشعب الفلسطيني ومع قضيته ومع حماية مقدساته الاسلامية والمسيحية، وستبقى الكلمة في الطيبة زماناً ومكاناً ذات دلالات عميقة لا بد من البناء عليها امام العالم الذي انحطت قيمه وأخلاقياته وتركت الهمجية الاسرائيلية تقتل الأطفال وتنتهك كل مقدس ونبيل.