وجهات نظر

هل ننقذ النقابات من نفسها؟

هل ننقذ النقابات من نفسها؟

يعود تنظيم المهن والأعمال إلى مراحل تاريخية سابقة على الدولة الحديثة، ولذلك تشكلت تكوينات من الصناعيين والتجار في العصور الوسطى لحماية مصالحهم إلا أن ذلك كان شكلًا بسيطًا للغاية لا يحظى بالاعتراف القانوني إلا في الحدود الدنيا، أما العمل النقابي الذي تطور بمحاذاة الدولة الحديثة فمسألة أخرى، لأنه استصحب علاقة وثيقة مع الدولة، فلدى الحديث عن نقابة مثل الأطباء والمهندسين، فالجسد النقابي يقدم ضمانات للمجتمع بأن المنضوين في النقابة يمتلكون المعارف والمهارات اللازمة لأداء المهنة بالصورة التي تكفل سلامة المجتمع ومصحة أفراده.

يمكن أن تعتبر النقابات المهنية والعمالية في الأردن شريكة في رحلة الدولة تجاه تحقيق مكانة متميزة في المنطقة العربية في حدود الإمكانيات المتاحة، إلا أن واقعها اليوم يستدعي المراجعة الشاملة خاصة لما تعانيه داخليًا من مشكلات إدارية ومالية جعلتها غير قادرة على تلبية طموحات منتسبيها، وبعضها يتعلق بظروف مهنته ومدى توفيرها لمتطلباته في حياة أصبحت مرتبطة بهذه المهنة، وجعلته يتحصل على فرص التشغيل خارج الجهاز الحكومي والمؤسسات الكبرى في القطاع الخاص غالبًـا، ويمتد شعور القلق وعدم الاستقرار إلى تحقيق أمانه المالي بعد التقاعد في ظل واقع الموارد المالية للنقابات وإدارتها وأولوياتها.

استهلكت النقابات جانبًا كبيرًا من طاقتها في العمل السياسي، وخاصة في المرحلة السابقة على الانفراجة الديمقراطية في 1989، وبدلًا من البحث عن فضاء جديد للعمل للنقابيين المسيسين، أصبحت النقابات نفسها مجالًا للتنافس بين القوى السياسية، وبعضها قوى لم تعد مؤثرةً بأي شكل في الواقع السياسي الأردني، إلا أن الاعتياد والبحث عن تحقيق الذات والخلط بين الفضاء السياسي والنقابي ما زال مسيطرًا على الذهنية التي تدار بها النقابات بشكل عام، ومن يتتبع الانتخابات الأخيرة لأكثر من نقابة يجد أنها أتت محملة بالشعارات التي ليست من دور النقابة، وبعضها أتى متقدمًا على التفاصيل التي تهم المنتسبين والأعضاء، مثل تحسين ظروف المهنة أو مواجهة التحديات الأساسية أمام ممارسيها القائمين والمستجدين.

مع مرحلة جديدة من التحديث السياسي دشنت قبل عامين كانت الحمولة السياسية للعمل النقابي مستوجبة المراجعة، فالأحزاب يفترض أن تعود لدورها الطبيعي، ووجود النقابيين في العمل الحزبي ضروري لأنه يمثل إضافة نوعية، إلا أن بعض الأحزاب، وكثير من المسيسين من النقابيين، أصروا على عدم مراوحة مكانهم، واستمروا في تصوير النقابات وكأنها خنادق مواجهة داخل العمل السياسي.

المفارقة أن كثيرًا من الشعارات وطبيعة التحالفات والمحاور داخل الفضاء السياسي للنقابات كانت تنتمي جذريًا لمراحل سابقة وتكاد منفصلة عن الواقع وأولوياته، وكأن العمل النقابي أصبح مسرحية سياسية بالطريقة التي لا تفيد الدور الذي تقدمه النقابة للمجتمع ولا أعضاء النقابات أنفسهم.

لا يوجد عمل نقابي مجرد من السياسة، وخاصة في الدول العربية التي تسمح بوجود النقابات وأدوارها في الحياة العامة، ولكن أن تستولي السياسة وتياراتها على العمل النقابي بحيث تجعله عاجزًا عن تقديم دوره فربما هذه ظاهرة أردنية، وكثير من الدول تجاوزتها، إلا إذا بقي البعض ينظر إلى المنصب، أي منصب، بوصفه تحقيقًا لذاته وقدرته على فرض أفكاره، قبل أن يكون خدمةً لأهداف معينة وواضحة تخص عمل العمل وغاياته.

النقابات أهم كثيرًا من أن تترك لتعاني الهوية الملتبسة بين العمل السياسي والأدوار المطلوبة منها أمام المجتمع والمنتسبين، والتأخير يرحل حسابات الخسارة على النقابات قبل أي طرف آخر، ولكن أي مجتمع يمكن أن يمضي قدمًا من غير عمل نقابي حقيقي ومخلص وفاعل؟