ديني

الطيبون لِلطَّيِّبَاتِ .. ! هل لها علاقة بالزواج ؟

الطيبون لِلطَّيِّبَاتِ  ..  ! هل لها علاقة بالزواج ؟

للعلّم - اختلف أهل العلم المفسرون للقرآن الكريم في تفسير الآية 26 من سورة النور. قال تعالى: “الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ”. وقد شاع بين الناس تفسير الآية الكريمة بأنّ الطيبون من الرجال يتزوجون الطيبات من النساء. كما يتزوج الخبيثون من الرجال الخبيثات من النساء. وفي أحد التفسيرات قيل أنّه إذا فُسِّرت الطيباتُ والخبيثاتُ بأنّها النساء. فغالب الأمر أنّ الآية تعني ميل كلُ طبعٍ إلى الطبع الآخر الذي يتلاءم معه.

يُمكن أنّ يكون معنى الآية ميل الطيب من الرجال إلى الطيبة من النساء. وميل الخبيثُ من الرجال إلى الخبيثاتُ من النساء. ونتيجةً لهذا الميل الفطري للطبع الملائم من الجنس الآخر. فإنّ الطيبون نتيجة ميلهم للنساء الطيبات يتزوجنهُن، فينفُر كلٌ منهم من الطبائع الخبيثة ولا ينسجم معها. كما يتزوجُ الخبيثون من الرجال من يميلون إليهم من النساء الخبيثات؛ لنفورهم من الطبائع الطيبة وعدم انسجامهم معها.

مع ذلك، فإنّ هذه ليس القاعدة عندما يتعلق الأمر بالزواج، فيُمكن أن يحصل العكس من الطرفين. فلا يلزم الاعتقاد، نتيجة هذا التفسير، أنّ الله سبحانه وتعالى يوفِّقُ بالتأكيد بين الطيبين في الزواج. إنّ هناك الكثير من الحالات التي يحدث فيها عدم توافق بين الزوجين، سواءٌ كانوا طيبين أو خبيثين. ويُمكن أن تكون هناك أسبابٌ كثيرة لذلك. فليس شرطًا حتميًا أن يتزوّج الطيبون بالطيبات أو الخبيثون بالخبيثات.

من ناحية أخرى، يُمكن أن يكون عدم التوفيق في الزواج نابعًا من ابتلاءٍ من الله، فيُمكن أن تُبتلى المرأة الطيبة بزوجٍ فاسد، ويُمكن أن يُبتلى الرجلُ الطيب بزوجةٍ فاسدة. ومن الأمثلة الواضحة على ذلك، امرأةُ نوحٍ وامرأة لوط، حيثُ ابتُلي الأنبياء بزوجاتٍ فاسداتٍ خبيثات. وأيضًا امرأة فرعون، فقد ابتُليت هذه المرأة المؤمنة بزوجٍ فاسدٍ خبيث. وكلُ هذا جانبٌ واحدٌ من جوانب تفسير الآية الكريمة، ولذلك فإنّه لا علاقة لها بالزواج.

ما هو تفسير الخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين

يقول الله تعالى في كتابه: “الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّأُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ”. ورغم اختلاف تفسيرات الآية، إلّا أنّها جميعًا متقاربة وليست متناقضة، فالطيبُ والخبيثُ في الآية قد يكون:

الطيب والخبيث من القول: أي أنّ الكلام والقول من الخبيثات فهو للخبيثين من الناس، والكلام والقول من الطيبات فهو للطيبين من الناس.
الطيب والخبيث من الفعل: أي أنّ الفعل الخبيث يصدر من الخبيثين من الناس، والفعل الطيب من الطيبين من الناس.
الطيبُ والخبيثُ من الرجال والنساء: أي أنّ الخبيثات من النساء للخبيثين من الرجال، والطيبات من النساء للطيبين من الرجال.
وفي جميع هذه التفسيرات المتقاربة في المعنى، فإنّه لا تعارُض بينها. فرغم أنّه لا يليق بالطيبين سوى الطيبات، ولا يليق بالخبيثاتُ إلّا الخبيثين، فإنّها ليست قاعدة حتمية. كما أنّ التفسير القائل بأنّ المقصد من الخبيث هو القول والفعل، فإنّه يأتي لتوبيخ أصحاب الإفك في أقوالهم الخبيثة عن السيدة عائشة رضي الله عنها.

ما سبب نزول آية الطيبون لِلطَّيِّبَاتِ
تبرئة السيدة عائشة رضي الله عنها في حادثة الإفك.

“الطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ” تعني أنّ طبيعة الحال أنّ كل طيبةٍ من النساء موافِقةٌ للطيب من الرجال، وكل طيبٍ من الرجال مُقترِنٌ بكل طيبٍ من النساء. وأتت الآية الكريمة بهذا المعنى عن النبي صلى الله عليه وسلم وزوجته السيدة عائشة رضي الله عنها.

فالأنبياء، وخاصةً سيدنا مُحمد صلى الله عليه وسلم أفضلُ الطيبين، لا تُناسِبُه إلّا أطيب النساء أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها. ولذلك فإنّ الطعن في عرض السيدة عائشة هو بمثلِه طعنٌ في رسول الله صلة الله عليه وسلم. فإنّ السيدة عائشة لكونِها زوجة النبي صلى الله عليه وسلم، فلا تكون إلّا طيبةً طاهرة، وكذلك زوجات النبي جميعهنّ.

وفي تكملة الآية الكريمة:أولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ” إشارةٌ إلى براءة أم المؤمنين عائشة من القذف الذي تعرّضت له، وهو بالتبعية إشارةٌ أيضًا إلى المؤمنات المحصنات من بعدها. وقد اتّفق أهل العلم على أنّ من قذف السيدة عائشة رضي الله عنها، فهو يطعنُ في النبي صلى الله عليه وسلم. وهو كذلك يكفر بالقرآن وما جيء فيه من تبرئة السيدة عائشة، فهو كافرٌ خارجٌ عن الملة.


وفي تفسيرٍ آخر للآية الكريمة؛ أنّ المقصود من كلمة “الخبيثات”: القول والكلام والفعل الخبيث. أي أنّ الخبيثين من الناس تُناسِبهم الخبيثات من الكلام والأقوال، كما أنّ الخبيثات من القول والفعل توافِقُ الناس الخبيثين. وبالمثل فإنّ الطيبات من القول تُناسب الناس الطيبين، والطيبين يُوافِقُهُم الطيبات من الحديث. وبمثل ذلك، فإنّ أصحاب الإفكِ من طعنوا في أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، هم من الخبيثون الذين تُناسِبُهم الخبيثات من الأقوال والأحاديث.

تفسير آية الخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين ابن كثير
يشرحُ ابن كثيرٍ -رحِمه الله- الآية الكريمة “الْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ والطيِّباتُ للطيِّبين” فيقول أنّ النساء الخبيثات للرجال الخبيثين، والرجال الخبيثين للنساء الخبيثات. وأنّ النساء الطيبات هنّ للطيبين من الرجال، والرجال الطيبين هم للنساء الطيبات. ويُرجِعُ الآية بهذا التفسير إلى السيدة عائشة رضي الله عنها.

فإنّ الله سبحانه وتعالى لم يكن ليجعلها زوجة نبي الله مُحمد صلى الله عليه وسلم إلّا وهي طيبة طاهرة، فهو صلى الله عليه وسلم أطيب من كل طيب. ولو أنّ السيدة عائشة كانت من الخبيثات، فلم تكُن لتصلُح زوجةً للنبي. وفي تفسير “أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ” أي أنهم بريئون مما يقوله أصحاب الإفك الخائضون في الأعراض.

تفسير آية الخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين ابن تيمية
يذكُر ابن تيمية -رحِمهُ الله- أنّ جمهور السلف يُفسِّر “الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ” بأنّ الخبيثين من الناس تقترن بهم الكلمات والأقوال الخبيثة ويميلون إليها. ويُفسِّر آخرون أنّ المعنى يأتي مُتعلِّقًا بالأقوال والأفعال، فالأقوال أو الأفعال الخبيثة تُناسِبُ الناس الخبيثين وتقترن بهم.

ويذكُر الله تعالى في كتابه الكريم: “إليه يصعدُ الكلِمُ الطيب والعمل الصالح يرفعه”، وأيضًا “ضرب الله كلمةً طيبةً”، و”ومثلُ كلمةٍ خبيثةٍ”. وبذلك المعنى، فإنّ القول أو الفعل سواءٌ كان طيبًا أم سيئًا هي من صفاتِ القائل أو الفاعل، فهو يقول أو يفعل ما تميلُ إليه نفسه. فإن كانت نفسهُ خبيثة فإنّه لا يصدُر منه إلّا الخبيثُ من الكلام أو الفعل. وبالعكس، إن كانت نفسُهُ طيبة فلا يصدر منه إلّا الطيب من الكلام أو الفعل.


تفسيرُ آية الخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين ابن باز
يقول ابن باز -رحمه الله- أنّ أهل التفسير يستنبطون من الآية الكريمة بأنّ المؤمن الطيب يجب أن يختار زوجةً من الطيبات. والطيبة من النساء هي من تُعرف بعِفّتِها واستقامتها في الدين وحُسن سيرتها وعقيدتها. وأنّه في اختياره يجب أن يبتعد عن الخبيثات من النساء في السيرة أو القول أو الفعل، فهُنّ للخبيثين من الرجال، وأنّهُنّ يُعرفن بالفساد والفسق.

وبالمثل يجب أن تتحرّى المؤمنة الطيبة زوجًا طيبًا حَسَنَ السيرة ويُعرف باستقامته في الدين. فلا يجبُ لها أن تقبل زوجًا من الخبيثين، وهو الذي يُعرف بعدم استقامته أو التزامه في الدين، ويُعرف بالانحراف والفساد. ومِثلُ هذا من الرجال الخبيثين يرتكب المعاصي أو الفواحش ويسيرُ في طريقٍ مُظلم كالمُسكِرات أو الزنا. فينبغي على الطيبة أن تتجنّب مثل هذا الرجل الخبيث.