سوالف

عدد الأصدقاء أم نوعيتهم؟ ما الذي يجلب لنا السعادة في العلاقات الاجتماعية؟

عدد الأصدقاء أم نوعيتهم؟ ما الذي يجلب لنا السعادة في العلاقات الاجتماعية؟

للعلّم - يتكرر السؤال كثيرًا حول ما إذا كانت سعادتنا الاجتماعية تعتمد على عدد الأصدقاء أم على نوعية العلاقة التي تربطنا بهم. في ظل العصر الحديث، حيث أصبحت الروابط الاجتماعية جزءًا أساسيًا من حياة الإنسان، يتجه كثيرون إلى تعزيز حضورهم الرقمي ظنًا أن ذلك سيزيد من شعورهم بالرضا والسعادة.

لكن دراسة حديثة نُشرت في مجلة Psychology and Aging ونفذها باحثون من جامعة ليدز البريطانية، تؤكد أن الكمّ لا يعوّض الكيف، وأن السعادة الحقيقية في العلاقات لا تُقاس بعدد الأصدقاء، بل بمدى عمق هذه الصداقات وجودتها. فقد شدد الباحثون على أن العلاقات الوثيقة المبنية على التفاهم والدعم المتبادل، هي المفتاح الأساسي للرفاهية النفسية، خاصة مع التقدم في العمر.

حللت الدراسة بيانات نحو 1500 مشارك، طُلب منهم تحديد عدد الأشخاص الذين تواصلوا معهم خلال الأشهر الستة الماضية، سواء أكانوا أصدقاء أم أقارب أو زملاء عمل أو حتى معارف عابرين. كما طُلب منهم الإشارة إلى طبيعة هذا التواصل (وجهاً لوجه، عبر الهاتف، أو من خلال وسائل إلكترونية)، وتقييم مستوى رضاهم عن حياتهم خلال الشهر السابق.

وأظهرت النتائج نمطين اجتماعيين مميزين:

الاختلافات العمرية في تكوين الشبكات الاجتماعية:
فالمشاركون الأكبر سناً (فوق 60 عاماً) أظهروا ميلاً نحو تقليص دائرة معارفهم الاجتماعية، بينما اتسمت الفئة الأصغر سناً (دون 30 عاماً) بامتلاك شبكات اجتماعية أوسع، أغلبها رقمية.

العوامل المؤثرة فعلياً في السعادة:
وجدت الدراسة أن الشعور بالسعادة والرضا يرتبط ارتباطًا وثيقًا بوجود علاقات قوية في الواقع، وبالتفاعل المباشر وجهاً لوجه. في المقابل، لم يُلاحظ أي تأثير معنوي لعدد الأصدقاء الرقميين على السعادة، بغض النظر عن الفئة العمرية.

وتوضح الباحثة الرئيسية، واندي بروين دي بروين، أن التقدم في السن لا يعني بالضرورة الشعور بالوحدة أو الحزن، كما هو شائع في بعض الثقافات. بل إن كبار السن غالبًا ما يشعرون بالرضا عن حياتهم، ليس لأن لديهم عدداً كبيراً من الأصدقاء، ولكن لأنهم يتمتعون بعلاقات ذات جودة عالية. وتشير إلى أن الوحدة ليست مرتبطة بالعمر أو بكثرة المعارف، بل بمدى عمق الصلات الاجتماعية التي يحظى بها الفرد.

الرسالة الأساسية للدراسة واضحة: التواصل الحقيقي والعلاقات العميقة هي مفتاح السعادة، ولا يمكن لوسائل التواصل الافتراضي أن تحل محل دفء العلاقة الإنسانية الواقعية.